الطريقة



ترك المحرمات

وممّا كتب به إلى بعض الطلبة ، ونصّه ، قال رضي الله عنه ، بعد البسملة والصلاة والسلام على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، وبعد : فالذي أعِظُكَ به وأوصيك به عليك بالله عزّ وجلّ في سرّك وعلانيتك بتَصْفِيَة قلبك من مخالفة أمْرِه والتعويل على الله بقلبك والرضا بحُكمِه في جميع أمورك والصبر لمجاري مقاديره في كلّ أحوالك ، واستعنْ على جميع ذلك بالإكثار من ذِكْر الله على قدْر الاستطاعة بحضور قلبك فهو مُعِينٌ لك على جميع ما أوصيتك به . وأكبر ذِكْر الله فائدة وأعظمه جدوى وعائدة هي الصلاة على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مع حضور القلب ، فإنّها متكفّلة بجميع مطالب الدنيا والآخرة دفْعا وجلْبا في كلّ شيء ، وإنّ مَن أكثر استعمالها كان مِن أكبر أصفياء الله .

والأمر الثاني ممّا أوصيك به ، ترْك المحرّمات الماليّة شرْعا ، أكْلا ولباسا ومسكنا ، فإنّ الحلال هو القطب الذي تدور عليه أفلاك سائرة العبادات ، ومَن ضيّعه ضيّع فائدة العبادة ، وإيّاك أنْ تقول أين تجده ، فإنّه كثير الوجود في كلّ أرضٍ وفي كلّ زمانٍ لكن يوجد بالبحث عن توفيّة أمْر الله ظاهرا وباطنا ، ومراعاة ضرورة الوقت إنْ لم يوجد الحلال الصريح ، وهذا المحلّ يحتاج إلى فِقْهٍ دقيقٍ واتّساع معرفةٍ بالأحكام الشرعيّة ، ومَن كان هكذا لم يصعب عليه وجود الحلال . 

والأمر الذي لا بدّ منه بعد هذا ، وهو بداية جميع الأمور ونهايتها ، هو تعلّق القلب بالله تعالى بالانحياش إليه والرجوع إليه وترْك كلّ ما سواه عموما وخصوصا ، فإنْ قدر العبد على ارتحال القلب إلى الله بكلّ وجه وعلى كلّ حال بحركة القلب حسّا فهو الغاية ، وإنْ لم يقدر فيلازم بعد كلّ صلاة هذا الدعاء ثلاثا أو سبعا ثمّ يمرّ به على قلبه في غير الصلوات ، ويحمل نفسه عليه يصير له ذلك حالا . والدعاء هو هذا ( اللهمّ عليك معوّلي وبِك ملاذي وإليك الْتِجَائِي وعليك توكّلي وبك ثقتي وعلى حولك وقوّتك اعتمادي وبجميع مجاري أحكامك رضاي وبإقراري بسريان قيّوميّتك في كلّ شيء وعدم احتمال خروج شيء دقّ أو جلّ عن علْمك وقهرك حتّى لحظة سكوني ) أهـ .

فإذا داوم عليه كلّما رأى من أحوال النفس ما لا يطابق هذا الدعاء ذكّر نفسه بمعاني هذا الدعاء وصبر على حمل نفسه سَهُل عليه تعلّق القلب بالله تعالى برفض كلّ ما سواه ، وهذا باب كبير من العلم يعلمه مَن ذاق أدنى شيء من علوم الرجال ويعلم قدره ، فلا تهمله . وعليك بإصلاح نفسك قدر الاستطاعة ، فإنّ العمر قصير والسفر طويل والعقبة كؤود والحمل ثقيل والحساب بين يدي الله شديد ، والعمل بأمْر الله هو المُنْجِي مِن جميع هذه الأمور .

 قال الشيخ الصالح والصدر المبرز ، العارف بالله سيّدي محمّد السمّاك رضي الله عنه : " مَن أقبل على الله بقلبه أقبل الله عليه برحمته وصرف وجوه الناس إليه ، ومَن أعرض عن الله أعرض الله عنه جملة ، ومَن كان مرّة ومرّة فالله يرحمه وقتا مّا " .

والحاصل ، عليك بالله برفض ما سواه ، وإذا ابتليت بمعاملة الناس ومخالطتهم فخالطهم وعاملهم لله فإنّ الله يحبّ الإحسان إلى خلْقه . وأكبر ما أحضّك عليه هو كثرة الصلاة بحضور القلب على رسول صلّى الله عليه وسلّم ، فهو الكنز الأعظم . أهـ من إملائه علينا رضي الله عنه . 

إرسال تعليق

0 تعليقات