الطريقة



اختصاص طريقتنا عن غيرها من سائر الطرق-الطريقة التجانية



بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صل على سيدنا محمد الفاتح لما اغلق والخاتم لما سبق ناصر الحق بالحق والهادي الى صراطك المستقيم وعلى آله حق قدره ومقداره العظيم. امتازت طريقة شيخنا أبي العباس مولانا أحمد التجاني رضي الله عنه وأرضاه على غيرها من سائر طرق أهل الله تعالى بمزايا كثيرة، وخصت بخصائص منيفة شهيرة.. وفيما يلي بعضاً من مزايا الطريقة التجانية كما رتبها سيدي ادريس العراقي رحمه الله تعالى وأسكنه فسيح جنانه، في كتابه: "الرسالة الشافية"

1-      مدار التربية والتزكية فيها على إقامة الورد الأصلي المعلوم، الذي لا يصح الدخول فيها بدونه لأحد من الخصوص ولا من العموم، وتوابعه من الأذكار المشمولة باللزوم معه، وذكر الهيللة بعد عصر يوم الجمعة، بالمحافظة في جميع ذلك على الشروط المشروطة، والتزام الآداب التي هي بغاية الحسن ونهاية الكمال منوطة، وآكد تلك الشروط وأعظمها، المحافظة على إقامة الصلوات الخمس بأركانها على الحد المحدود لها شرعا بقدر الإمكان، واستكمال شروطها وآدابها وتمام جميع ما لها من الأركان، ثم عمارة ما يقدر المريد على عمارته من الأوقات والساعات بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم خصوصا بصلاة "الفاتح لما أغلق"، التي هي من أسمى الذخائر وأسنى البضاعات على طريق المحبة والشكر والاعتماد على الفضل المحض الذي ليس إلا عليه في بساط التحقيق المعول، من غير التزام خلوة ولا كثرة مجاهدة ولا اعتزال عن الناس، ولا المبالغة في التقشف والتقلل وغير ذلك مما اصطلح عليه في التربية من بعد الصدر الأول

إذ هذه طريقة سيدنا رضي الله عنه التي سلكها وأمره بالتسليك عليها سيد الوجود، ومنبع الإمداد والجود صلى الله عليه وسلم، بدليل ما ذكره في جواهر المعاني بعدما أعلم المصطفى صلى الله عليه وسلم سيدنا رضي الله عنه بأنه هو الواسطة بينه وبين الله تعالى والممد له على التحقق، وصرح له بأنه هو كفيله ومربيه دون غيره من مشايخ الطريق، وقال له في وصيته التي أوصاه بها: ((التزم هذه الطريقة من غير خلوة ولا اعتزال عن الناس حتى تصل مقامك الذي وعدت به وأنت على حالك من غير ضيق ولا حرج ولا كثرة مجاهدة)) انتهى.

قال في البغية بعدما نقل ما تقدم عنه: "والفرق بينهما، أي بين التربية التي كان عليها السلف الصالح من الصدر الأول، التي هي طريقة الشكر والفرح بالمنعم سبحانه، والتي سلك بها النبي صلى الله عليه وسلم بالشيخ رضي الله عنه، وبين التربية التي سلكها من جاء بعد الصدر الأول، وهي طريق المجاهدة والمكابدة والرياضة البدنية، بأن السير في الأولى: سير القلوب، وفي الثانية: سير الأبدان، ومعلوم أن الأهم الذي عليه المدار في طريق الوصول إلى حضرة الله تعالى هو سير القلوب، بالنظر في أحوال القلب وما يصلحه ويفسده، على سنن الإعتدال والتقييد بالشريعة المطهره والسنة الشريفة المنورة، لا على التضييق على النفس بالتقشف والاستخشان في المأكل والملبس، والكد والتعب من غير التفات إلى أحوال القلب على الحد الذي تقرر، وإنما آثر من بعد القرون الثلاثة التسليكَ بالطريقة الثانية لما كثرت الأهواء، وتشعبت الآراء، فاستعانوا بذلك على تطهير النفس وتزكيتها، ليستنير القلب ويتخلص من كدورات الهوى" انتهى.

2-      أنه لا سند لها إلا سيد الوجود صلى الله عليه وسلم، فإن مولانا الشيخ التجاني قدس الله سره تلقاها من سيد الوجود وعلم الشهود ومنبع الفضل والجود صلى الله عليه وسلم يقظة لا مناما بلا واسطة أحد، فقد قال رضي الله عنه: ((قد أخذنا عن مشايخ عدة فلم يقض الله تعالى بتحصيل المقصود، وإنما سندنا وأستاذنا في هذه الطريق هو المصطفى صلى الله عليه وسلم، فقد قضى الله سبحانه بفتحنا ووصولنا على يديه ليس لغيره من الشيوخ فينا تصرف))، وقال أيضا في بعض رسائله: ((سندنا في الورد المعلوم النبي صلى الله عليه وسلم)) انتهى.

وقال في البغية: اعلم أمدنا الله وإياك بأنوار اليقين وسلك بنا وبك مسالك الذين يؤمنون بالغيب من عباده المتقين، أن لهذه الطريقة الشريفة بين الطرق مكانة عالية ومرتبة قصوى سامية وذلك لما امتاز به أهلها من الانتماء الحقيقي إلى إمام حضرة الأنبياء، وسلطان مملكة الأصفياء، إذ لا أستاذ لها إلا أستاذ الأساتذة كلهم على الإطلاق، وإمام الكل وممد الكل وسيد الكل بالإطباق صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه الكرام البررة السُّباق. انتهى.

3-      أنها طريقة الفضل المحض بلا علة ولا سبب، قال العلامة الشريف العارف بالله المنيف سيدي الحاج الحسين الافراني (المتوفى في تزنيت يوم ثالث شوال عام 1328هـ) ما نصه بعد الحمدلة والتصلية: "إلى جميع الإخوان التجانيين بروادنة وغيرها من الأقطار السوسية أفاض الله على جميعكم الفيوض الختمية التي تلحق جميعكم بمن تقدم من السلف الصالح وإن لم تنهجوا نهجهم وسلام الله ورحمته وبركاته عليكم هذا فنحب من كمال الأخوة أن لا تنسوا حق الإيخاء، أما بعد ..

فاعلموا أن جميع الإخوان بفضل الله قد أفاض الله عليهم فيضة من السعادة بلا وجود سبب ولا شرط ولا انتفاء مانع بل بسبق العناية الأزلية تغنيهم عن طلب الزيادة لكونهم محبوبين عند الله في الأزل لأنه تعالى جعلهم من أهل الدائرة الفضلية المكنوزة من وراء خطوط الدوائر التي هي دوائر الأمر والنهي والجزاء خيرا كان أو شرا، فإن هذه الدوائر هي دوائر عموم الخلق، وتلك الدائرة الفضلية هي دائرة اختصاصه واصطفائه سبحانه وتعالى يختص بها من يشاء من خلقه. قد جعل الله سبحانه فيضها فائضا من بحر الجود والكرم لا يتوقف فيضها على وجود سبب ولا شرط ولا زوال مانع، بل الأمر فيها واقع على اختصاص مشيئته فقط ولا يبالي بمن كان فيها وفى بالعهود أم لا، انتهج الصراط المستقيم أم سقط في المعاصي والطريق الوخيم، ولا يبالي فيها لمن أعطى وعلى ماذا أعطى وإن من وقع في هذه الدائرة كملت له السعادة في الآخرة بلا شوب ألم ولا ترويع، وفيها أوقع الله شيخنا القطب المكتوم رضي الله عنه وجعلها دائرة أهل طريقته، وأوقعهم فيها فضلا منه وجودا وكرما لشدة عنايته بسيدنا الشيخ رضي الله عنه الذي جمع له بين مقام المحبة والخلة الناشئتين من هذه الدائرة التي بها اتخذ الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم وعلى آله حبيبا وخليلا وسيدنا ابراهيم خليلا لوراثته رضي الله عنه إياهما من هذين النبيين، ولذلك كانت طريقته رضي الله عنه طريقة المحبة والشكر.

ومن بحرها تفضل علينا مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخريدة الفريدة التي هي خاصة به صلى الله عليه وسلم، وفي هذه الدائرة الفضلية قال مولانا تعالى: ((ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم، والله يختص برحمته من يشاء، والله ذو الفضل العظيم))، وقال في الرماح: قد ذكر في القرآن نحو ثلاث وعشرين آية كلها إلى الدائرة الفضلية انتهى.

4-      أنه لا أعلى من سند هذه الطريقة الأحمدية التجانية إلى مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم

5-      أن أحوال غالب أهل الطريقة الأحمدية التجانية جارية على أحوال الملامتية، والملامة كما سيأتي فإنهم رجال لا يزيدون على الصلوات الخمس إلا الرواتب، ولا يتميزون عن المؤمنين المؤدين فرائض الله بحالة زائدة يعرفون بها، يمشون في الأسواق ويتكلمون مع الخاص والعام من الناس، لا يبصر أحد من خلق الله تعالى واحدا منهم يتميز عن العامة بشيء زائد على عمل مفروض أو سنة معتادة في العامة، قد انفردوا مع الله راسخين لا يتزلزلون عن عبوديتهم له طرفة عين، ولا يعرفون للرياسة طمعا لاستيلاء الربوبية على قلوبهم فهم أرفع الرجال مقاما

6-      أن الذكر الذي أمره صلى الله عليه وسلم ليلقنه للناس هو الاستغفار والصلاة على سيد الأبرار وذكر الكلمة الشريفة، وكلها مأمور بها في الكتاب والسنة، فالذاكر هذا الورد هو في الحقيقة تالٍ لكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك ظهر على سيدنا الشيخ رضي الله عنه وعلى أصحابه من آثار أنوار الهدى وأسرار الرضا ما استعد به للهداية والإرشاد والدلالة بالحال والمقال على ما يوصل لحضرة رب العباد، وترادف عليه من أنواع الخيرات والبركات والفضائل ما فاق به كل عارف واصل وصديق كامل،

7-      أن صاحب هذه الطريقة الأحمدية التجانية وهو سيدنا الشيخ أحمد التجاني رضي الله عنه أدرك المقامات الثلاثة الخاصة، وهي "القطبانية" و"الختمية" و"الكتمية" كما سيأتي. فقد حل رضي الله عنه عام 1214هـ وهو العام الثاني بعد حلوله وانتقاله لفاس في مقام "القطبانية العظمى"، فأهله الله تعالى للحلول بأقصى ذراه بلا شك عندنا والحمد لله، ومن خصائص هذا المقام أن صاحبه منذ جلوسه على كرسي القطبانية لا تقع بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم حجابية أصلا، فحيثما جال الرسول الأعظم من حضرة الغيب ومن حضرة الشهادة إلا وعين قطب الأقطاب متمكنة من النظر إليه لا يحتجب عنه كل لحظة من اللحظات. ومما لا شك عندنا فيه أن الشيخ رضي الله عنه قد حل في هذا المقام حسبما وقع التصريح به منه رضي الله عنه، وأثبته له الفحول من رجال الطريق كما سيأتي في المبحثين المقبلين بحول الله تعالى وقوته.

وأدرك رضي الله عنه عام 1218هـ مقام "الكتمية" وهو مقام باطني لا يعلم حقيقته في تلك الرتبة إلا الله" تبارك وتعالى وسيد الوجود صلى الله عليه وسلم، لأن لصاحبه نسبة خاصة من الحقيقة المحمدية وهي مرتبته صلى الله عليه وسلم التي لم يطلع عليها أحد، ولا يعلمها إلا الله جل جلاله وكذا صاحبها وهو النبي صلى الله عليه وسلم كما قال عليه الصلاة والسلام: ((لا يعرفني غير ربي))، فالقطب المكتوم كذلك، ويدل لإدراك الشيخ رضي الله عنه لهذا المقام أخبار جده عليه الصلاة والسلام له به حيث قال رضي الله عنه: ((أخبرني سيد الوجود صلى الله عليه وسلم بأني القطب المكتوم منه إلي مشافهة يقظة لا مناما)) فقيل له وما معنى المكتوم فقال رضي الله عنه: ((هو الذي كتمه الله عن جميع خلقه حتى الملائكة والنبيئين إلا سيد الوجود صلى الله عليه وسلم فإنه علم به وبحاله، وهو الذي حاز كل ما عند الأولياء من الكمالات واحتوى على جميعها))، أنظر كتاب الرماح وغيره.

8-      أن صاحب هذه الطريقة مولانا الشيخ رضي الله عنه وطائفة وافرة من أصحابه أطلعهم جل علاه على اسمه الأعظم الباطني المخزون المكنون وهو الذي لم يطلع عليه إلا فذاذ من الأفراد وله صيغ كثيرة متعددة بتعدد تراكيب حروفه واختلافها في الترتيب، وتتفاوت تلك الصيغ في الأجر والثواب فيثاب الذاكر على ذكر بعضها أكثر مما يثاب على ذكر غيرها من الصيغ بأضعاف مضاعفة،

وأعظم الصيغ الخاصة بمقامه صلى الله عليه وسلم وتليها الصيغة الخاصة بمقام سيدنا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، قال في البغية ما نصه: ((وأخبر رضي الله عنه أنه تلقى من الحضرة المحمدية صلى الله عليه وسلم صيغا عديدة في هذا الاسم وأنه تلقى منها أيضا كيفية يستخرج منها ما أحب من تراكيبه))، ثم أخبر رضي الله عنه أنه تلقى من الحضرة المصطفوية أيضا عليه أزكى الصلاة والسلام الصيغة الخاصة بمقامه صلى الله عليه وسلم وكذا الصيغة الخاصة بمقام مولانا علي كرم الله وجهه وهذه الصيغة الخاصة بمقام مولانا علي رضي الله عنه لا يعثر عليها إلا من سبق عند الله تعالى في الأزل أنه يصير قطبا.

وأخبر رضي الله عنه أنه تلقى من الحضرة الشريفة أيضا صلوات الله وسلامه عليه خواص هذا الاسم وكيفية الدعاء به وكيفية سلوكه كما تلقى منه أيضا صلى الله عليه وسلم ما أعد الله تعالى لذاكره من الفضل العظيم الذي لا حد له ولا حصر،
وذكر في جواهر المعاني من تفاصيل ذلك الفضل العظيم الذي أعطيه سيدنا رضي الله عنه خصوصا والذي أعطيه غيره من الذاكرين له عموما على اختلاف مراتبهم، وتباين استعداداتهم ما يحير الأذهان، ويعجز عن تقريره التبيان. ثم قال في البغية: وهذا الاسم إنما ينال بمحض المحبوبية من الله تعالى لا غير فافهم والله أعلم.

وبلغني أيضا أن بعض أصحاب الشيخ رضي الله عنه الذين كانوا بالصحراء وهم جماعة اطلعوا على الاسم الأعظم في بعض كنانيش الشيخ رضي الله عنه وذلك بعد سفره من بلده فاس، فلما وصل رضي الله عنه إلى الصحراء أخبر بذلك فأمر بحضورهم لديه فخاطب كل واحد منهم بما لم يخاطب به الآخر، فقال لبعضهم إن ذكرته لأحد تموت كافرا والعياذ بالله تعالى، واختلى بآخر منهم وأذن له فيه في خاصة نفسه بشرط أن لا يذكره لأحد فضلا عن أن يأذن فيه، وقال لآخر اتركه عنك فلا حاجة لك به، وقال لآخر إن أحببته سلم في الأموال والأولاد، وقال لآخر اذكره مرة واحدة بين الليل والنهار، وقال لآخر يكفيك من فضله أن من عرف لفظه فقط يكون مأمونا من السلب، وإذا دخل إلى مسجد من المساجد تقول الملائكة هذا فلان يعرف اسم الله الخاص بالذات العلية فيحصل له ثواب من ذكره بسبب ذكر الملائكة له بذلك، وهذه القضية وحدها تنبئ عما اختص به سيدنا رضي الله عنه من سعة الدائرة في التربية رضي الله عنه وأرضاه، وأدامنا وجميع الأحبة دنيا وأخرى في حماه آمين انتهى.

9-      أن الله عز وجل قد خص صاحب هذه الطريقة رضي الله عنه بكرامة مأثورة ومنقبة مشهورة وهي اجتماعه ورؤيته لسيد الأنام عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام، في حال اليقظة والمشافهة لا في حال المنام، وهي لدى الرجال الكاملين أجل مقصد وأسنى مرام، ودوام شهوده له صلى الله عليه وسلم بحيث لا تغيب عنه صورته الشريفة طرفة عين، وذلك شيء حاصل به بلا شك ، وضمن له صلى الله عليه وسلم من فضل الملك الوهاب إن من رآه رضي الله عنه يوم الاثنين أو يوم الجمعة يدخل الجنة بلا حساب ولا عقاب، وقد ثبت عنه رضي الله عنه أنه أخبر أن من رآه أو رأى من رآه إلى سبعة ولو في غير اليومين المذكورين دخل الجنة بلا حساب ولا عقاب، ومما لا ريب فيه أن رؤيته صلى الله عليه وسلم والاجتماع به يقظة جائز جوازا متفقا عليه عند الحفاظ، وأنهم لم يختلفوا في ذلك أصلا كما ذكره الإمام اللقاني، وسيأتي الاستدلال على ذلك عند الكلام على الوظيفة بحول الله،

10-  أن الحق جل جلاله أكرم صاحب هذه الطريقة سيدنا الشيخ رضي الله عنه بالكرامة العظمى والمنقبة الكاملة الكبرى وهي شدة اتباعه للشرع الكريم الطاهر، والتقييد بأوامره ونواهيه في الباطن والظاهر، ومتابعته للرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم بقدر المستطاع في جميع أقواله وأفعاله، حتى في العاديات والمباحات من حركاته وسكناته، وسائر أحواله، وذلك معنى الاستقامة التي لا يعرف معناها ويعمل بمقتضاها إلا الخاصة دون العامة، وحاصلها أن تحفظ على العبد آداب الشريعة، وأن يوفق لفعل مكارم الأخلاق واجتناب سفسافها، والمحافظة على أداء الواجبات مطلقا في أوقاتها والمسارعة إلى الخيرات وإزالة الغل للناس من صدره، والحسد وطهارة القلب من كل صفة مذمومة، وتحليته بالمراقبة مع الأنفاس ومراعاة حقوق الله تعالى في حق نفسه وفي سائر الأشياء، ومراعاة أنفاسها في دخولها وخروجها، فيلقاها بالأدب ويخرجها وعليها خلعة الحضور.

قال في البغية فمن راجع كتاب جواهر المعاني في باب سيرته رضي الله عنه في عبادته ومعاملته، فإنه يظفر بما تقر به العين في هذا الباب ويزول عنه الحجاب، ويعلم يقينا أنه رضي الله عنه قد أدرك منها المكانة التي لا يجاريه فيها أحد ولا يباريه، والمنزلة التي لا يقاربه فيها غيره ولا يدائيه، وهذه الكرامة عند الرجال الأكابر أجل كرامة للعبد من مولاه الملك القادر

11-  أن في هذه الطريقة الأحمدية التجانية الأخذ من "حي عن حي"، وليس فيها الأخذ من "حي عن ميت"، ذلك أن سيد الوجود صلى الله عليه وسلم حي في قبره حياة كاملة كما سيأتي الكلام على ذلك وهو الذي أعطى هذه الطريقة لمولانا الشيخ رضي الله عنه يقظة لا مناما كما تقدم وهو رضي الله عنه لم يتوفاه الله إليه حتى قدم في طريقه عدة أفراد يقومون مقامه في تلقين طريقته لمن طلبها منهم، ومنهم من كان له الاطلاق التام، والتقديم الشامل العام، كخليفته سيدي الحاج علي حرازم برادة، وسيدي الحاج علي التماسيني وسيدي امحمد بن عبد الواحد البناني المصري، وسيدي الحاج المفضل السقاط، وسيدي امحمد ابن أبي النصر، وسيدي الحاج عبد الوهاب ابن الاحمر ومن على شاكلتهم. وهكذا فكل من له التقديم الصحيح، بالسند المتصل الصريح، فهو نائب عن الشيخ رضي الله عنه في تربية الخلق.

12-  أن الحق جل جلاله وعز كماله جعل في أهل هذه الطريقة المتمسكين بالشريعة والحقيقة جماعة تجاوز ستمائة ومن الجن جماعة تجاوز ثلاثمائة قد بلغت في المقامات الشريفة والأحوال السامية المنيفة درجة لا يصل إليها إلا من خصه الله بها، بحيث لو اجتمع أقطاب هذه الأمة المحمدية ما وزنوا شعرة مما اختص به هؤلاء من الدرجات الرفيعة الجليلة، وإذا ثبت هذا لهذه الجماعة السنية فكيف بإمامها صاحب الطريقة السنية، وذلك فضل الله يوتيه من يشاء من غير علة ولا سبب، وإنما هو بمحض الاجتباء وقد أخبر الشيخ رضي الله عنه بظهور فرد من أفراد هذه الطائفة وإذا شئت مزيد الإيضاح في هذا الموضوع فعليك بكتاب البغية.

13-  أنه يوجد في أهل هذه الطريقة الأحمدية التجانية، ذات الأسرار الفاشية عدد قد أدركوا مراتب سامية في درجة الولاية الكاملة العالية، وقد عد صاحب المنية من بينهم اثني عشر فردا وهم حسب ترتيبه لهم: 1.  الشريف العارف بالله سيدي محمد بن العربي الدمراوي التازي صاحب كتاب "ياقوتة المحتاج في الصلاة على صاحب اللواء والتاج"، وهو كتاب مرتب في الصلوات على الحروف الهجائية.2 . الخليفة المبجل سيدي الحاج علي احرازم بن العربي برادة صاحب كتاب "جواهر المعاني" وصاحب "الكنز المطلسم في حقيقة اسم الله العظيم الأعظم" وصاحب "شرح الهمزية" وغيرها. 3 .العلامة الشريف الإمام الكاتب أبو عبد الله سيدي محمد بن المشري الحسني السباعي صاحب "الجامع" وصاحب "السراج الوهاج" وصاحب "نصرة الشرفا" وصاحب "روض المحب الفاني" وغيرها. 4 .الوزير المؤتمن الشريف البركة سيدي محمود التونسي دفين فاس. 5 .الشريف العلامة الشيخ محمد الحافظ العلوي الشنجيطي. 6 .الشريف العارف الكامل أبو عبد الله سيدي محمد الغالي بن سيدي محمد أبو طالب الحسني. 7 .المقدم المحبوب الشيخ الحاج المفضل السقاط دفين مصر. 8 .القطب الشهير الشريف البركة الكبير سيدي الحاج علي بن عيسى التماسيني. 9 .العلامة الأوحد سيدي محمد المعروف بالسالك الوداني الشنجيطي. 10 .العلامة المحقق أبو عبد الله سيدي امحمد (فتحا) بن عبد الواحد البناني المصري. 11 .العلامة الكبير الشريف سيدي محمد الطالب العلوي الشنجيطي. 12 .مفتي الديار التونسية العلامة أبو إسحاق سيدي إبراهيم بن عبد القادر الرياحي التونسي.

وقد زاد عليهم كثيرا صاحب بغية المستفيد، وصاحب روض شمائل الحقيقة، وصاحب كشف الحجاب ورفع النقاب بعد كشف الحجاب وصاحب الإتحافات الربانية، وغيرهم ممن لا يحصون رضوان الله عليهم أجمعين وجعلنا من أهل حزبهم ومددهم، بجاه إمام المرسلين صلى الله عليه وسلم عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

14-  ما أعد الله جلت قدرته، وتقدست أسماؤه وصفاته، لمن تمسك بهذه الطريقة الأحمدية المحمدية الإبراهيمية الحنيفية، من الفضل الذي لا يحصى، والمزايا التي لا تعد ولا تستقصى، مما هو مذكور في كتاب جواهر المعاني، وكتاب الجامع، والبغية بعد المنية، وغيرها.

15-  أن الله المتفضل المنان، أنعم على أهل هذه الطريقة الرفيعة الشأن بصلاتين جليلتين من الصلوات على سيد المرسلين وأفضل خلق الله أجمعين، وإن كان في هذه الطريقة التجانية من الصلوات عليه صلى الله عليه وسلم ما يزيد على خمسمائة صيغة، ولكل واحدة من جلها اسم خاص بها، ولكن أجمع الصلوات لكثير من المثوبات هو هاتان الصلاتان: *صلاة "الفاتح لما أغلق": قال أبو المواهب والمرابح مولانا العربي ابن السائح في المطلب السابع من البغية: "فالطرق وإن كانت كثيرة محمدية بالوجه العام، فقد اختصت عنها هذه الطريقة التجانية بهذه المزية العظيمة والخصوصية الجسيمة التي من أجلها اختصت بحيازة هذه النسبة الشريفة، والحلية السنية، والرتبة المنيفة، ثم اختصت طريقتنا هذه الأحمدية المحمدية بمزيد كرامة وتفضيل، وتخصيص له من الملك الجليل، وذلك بكون الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيها بالياقوتة الفريدة وهي صلاة الفاتح لما أغلق والخاتم لما سبق، التي لا يأتي الحصر على ما خصها الله تعالى به من المزايا الفاخرة والأسرار الباهرة والفضائل العديدة وذلك حسبما أوضحه صاحب ميزاب الرحمة الربانية لما اشتملت عليه، مما لم يشتمل عليه غيرها من أسرار السير والسلوك في المقامات العرفانية.

قال فالتقرب إلى الله تعالى بهذه الصلاة سير في مقامات الدين الثلاثة، إذ المقامات مشتملة على مواقف مغلقة الأبواب، وأولها باب المتاب إلى آخر ما بعده من الأبواب، فالغلق شامل لجميعها اشتمال باب واحد، والفتح مطلوب في كلها لكل قائم وقاعد، والختم محتاج إليه في كافة عوارضها المعتادة، وإن في الختم معنى للزيادة وغلقا بين المريد وبين موانع جادة الإفادة، وإن في النصر لعدة لما يكون من الأعداء المذلة، والآفات المعضلة من الآمال الخائبة، واللوائح الكاذبة، ولقد كان المريد للهداية عند تلاطم أمواج بحار حقائق الأسرار، وللتوفيق لقطع مهام تلك الأخطار، والاهتداء إلى الحضرة وما لها من الأنوار، في غاية الاحتياج والإضطرار، فكان الأليق بالمريد أن يتعلق بهذه الصلاة من بين كافة الصلوات على نبيه الكريم، إذ ما كل صلاة تفي بما تفي هي به في ظلمة ذلك الليل البهيم انتهى.

وانظر الطريقة الثالثة من هذا الكتاب تستفد مزيد بيان وتقف من أسرار هذه الصلاة على ما لا يفي بشرحه التبيان على أن ما اشتمل عليه بالنسبة إلى ما لم يذكر، إنما هو قل من كثر، ونقطة من بحره، وسنلم بالنزر من ذلك عند تعرض الناظم لذكرها، والإشارة إلى شيء من مكنون سرها إن شاء الله تعالى، وإنما مرادنا الآن أن نشير إلى ما يوذن ببعض ما امتازت به هذه الطريقة عن غيرها بالوجه الخاص ثم بالوجه الأخص لتعلم من ظهور ما لها من الخصوصية في ذبك والمزية وجه تسميتها بالمحمدية انتهى. *جوهرة الكمال في مدح سيد الرجال: فإذا ذكرها الواحد من أهل هذه الطريقة المباركة منفردا أو في جماعة كما هو الشأن في الوظيفة سبع مرات يحضره النبي صلى الله عليه وسلم، ويستمر حضوره معه هو والخلفاء الأربعة رضي الله عنهم مادام يذكرها




إرسال تعليق

0 تعليقات