الطريقة



ملازمة الأمر المنجي


وممّا كتب به إلى كافّة الإخوان أينما كانوا ، ونصّه ، قال رضي الله عنه بعد البسملة والصلاة على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، وبعد : فأوصيكم بما أوصى الله به ، قال سبحانه وتعالى :   وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ   ، وقال سبحانه وتعالى :   شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا   إلى قوله :   كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ   ، وقال سبحانه وتعالى :   وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا   ، وقال سبحانه وتعالى :   وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا   إلى قوله :   قَدْرًا   ، وقال سبحانه وتعالى :   وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا   إلى قوله :   وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا   ، واعلموا أنّ التقوى قد صعب مرامها ، وتناءت بُعْدا عن أنْ تمدّ بيد أحد خطامها واحتكامها ، وكَلَّتْ الهمم دونها فلا يصل بِيَدِ أحد أساسها واحتكامها ، إلاّ الفرد الشاذّ النادر ، لِما طُبِعَتْ عليه القلوب والنفوس مِنَ الإدبار عن الله وعن أمْره بكلّ وجهٍ واعتبار وحلها في ربع الأحوال البشريّة وحلا لا مطمع لها في الانفكاك عنه ، وهذا حال أهل العصر في كلّ بلد من كلّ ما على الأرض ، إلاّ الشاذّ النادر الذي عصمه الله تعالى .

وبسبب ما ذكرنا ، هاج بحر الأهوال والفتن ، وطما بحر المصائب والمحن ، وغرق الناس فيه كلّ الغرق ، وصار العبد كلّما سأل النجاة من المصيبة وعصم منها اكتنفته مصائب ، وفي هذا قيل : " سيأتي على الناس زمان تتراكم فيه بحور المحن والفتن ، فلا ينفع فيه إلاّ دعاءٌ كَدُعَاءِ الغريق " . وليكنْ ملازمتكم الأمر المُنجِي لِما ذكرْنا أو مطفئ لأكثر نيرانه ، وهو كثرة الاستغفار والصلاة على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ، وذِكْر لا إله إلاّ الله مجرّدة ، وذكر لا إله إلاّ أنت سبحانك إنّي كنت من الظالمين ، وقول حسبنا الله ونعم الوكيل ، فإنّه بِقَدْر الإكثار من الأذكار تتنائى عن العبد كثرة المصائب وشرور الأوزار ، وبقدر تقليله منها يقلّ بُعده عن المصائب والشرور . 

وليكنْ لكلّ واحد منكم قدْرٌ مِنْ هذه الأذكار على قدْر الطاقة ، وعليكم بكثرة التضرّع والابتهال لِمَنْ له كمال العزّ والجلال فإنّ الله رحيم بعباده ودود ، فإنّه أكرم وأعظم فضل مِنْ أنْ يتضرّع إليه متضرّع أحاطت به المصائب والأحزان ومدّ إليه يديه مستعطفا نواله راجيا كرمه وإفضاله أنْ يَرُدَّهُ خائبا أو يعرض عنه برحمته ، والعاجز مَنْ عجز حتّى عن التضرّع والابتهال ، ومَنْ ضيّع نفسه من الله فلا جابر له . وليكنْ لكم بباب الله لمّاتٌ على مرور الساعات وكرور الأوقات ، فإنّ مَن اعتاد ذلك في كرور أوقاته خشيه من رحمة الله ونفحاته ما يكون ماحقا لمصائبه وكدوراته ومسهّلا لِثِقلِ أعباء ما ثقل عليه من ملمّاته ، فإنّه سبحانه وتعالى غنّي كريم يستحي لكرمه إذا رأى عبدا قد تعوّد الوقوف ببابه ، ولو في أقلّ الأوقات ، أنْ يسلمه للمصائب التي لا مخرج له منها أو يكدحه بهلكة يعزّ الخلاص منها .

إحفظوا هذا العهد واركضوا في هذا الميدان ، ولو في أقلّ قليل من مرور اليوم والليلة ، تجدوا التيسير في جميع الأمور والخلاص من كثيرة من الشرور ، وإنْ قدر الواحد على أن يكون تضرّعه في كلّ ليلة بهذا الدعاء ، وهو

 ( إلهنا أنت المحرّك والمسكّن لكلّ ما واقع في وجود من الخيرات والشرور ، و في حكمك الحلّ والعقد لجميع الأمور ، وبيدك وعن مشيئتك تصاريف الأقدار والقضاء المقدور ، وأنت أعلم بعجزنا وضعفنا وذهاب حولنا وقوّتنا عن تباعدنا ممّا يحلّ بنا من الشرور عن اتّصالنا بما نريد الوقوع فيه من الخيرات أو ما يلائم أغراضنا في جميع الأمور ، وقد وقفنا ببابك، والْتَجَأْنَا بجانبك ووقفنا على أعتابك مستغيثين بك في صرْف ما يحلّ بنا من الشرور وما ينزل بنا من الهلاك ممّا يجري به تعاقب الدهور ممّا لا قدرة لنا على تحمّله ولا قوّة بنا على طلّه فضلا عن وابله وأنت العَفُوُّ الكريم والمجيد الرحيم الذي ما استغاث بك مستغيث إلاّ أغثته و لا توجّه إليك مكروب يشكو كربه إلاّ فرّجته ولا ناداك ضرير من أليم بلائه إلاّ عافيته ورحمته ، وهذا مقام المستغيث بك والملتجئ إليك ، فارحم ذلّي وتضرّعي بين يديك وكنْ لي عوْنا وناصرا ودافعا لكلّ ما يحلّ بي من المصائب والأحزان ، ولا تجعل عظائم ذنوبي حاجبة لِما ينزل إلينا من فضلك ولا مانعة لِما تتحفنا به من طَوْلِك وعاملنا في جميع ذنوبنا بعفوك وغفرانك وفي جميع زلاّتنا وعثراتنا برحمتك وإحسانك ، فإنّا لفضلك راجون وعلى كرمك معوّلون ولنوالك سائلون ولكمال عزّك وجلالك متضرّعون ، فلا تجعل حظّنا منك الخيبة والحرمان ولا ينيلنا من فضلك الطرد والخذلان ، فإنّك أكرم من وقف ببابه السائلون وأوسع مجدا من كلّ من طمع فيه الطامعون ، فإنّه لك المنّ الأعظم والجناب الأكرم وأنت أعظم كرما وأعلى مجدا من أن يستغيث بك مستغيث فتردّه خائبا أو يستعطف أحد نوالك متضرّعا إليك فيكون حظّه منك الحرمان ، لا إله إلاّ أنت يا عليّ يا عظيم يا مجيد يا كريم يا واسع الجود يا برّ يا رحيم ، عشرين مرّة تذكر هذه الأسماء مِن قولك لا إله إلاّ أنت الخ ، ثمّ صلاة الفاتح لما أغلق الخ عشرا في أوّله وعشرا في آخره ) ،

فإنّ المداومة لهذا الدعاء في كلّ ليلة سبعا أو خمسا أو ثلاثا تدفع عنه كثيرا من المصائب والأحزان ، وإنْ تحتّم نزولها نزل به لطف عظيم فيها . اهـ من إملائه رضي الله عنه . 

إرسال تعليق

0 تعليقات