الطريقة



وعدّة النجباء ثلاثمائة


أخرج ابن عساكر وأبو نعيم عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (إنّ لله عزّ وجلّ في الخلق ثلاثمائة قلوبهم على قلب آدم عليه السلام، ولله في الخلق أربعون قلوبهم على قلب موسى عليه السلام، ولله في الخلق سبعة قلوبهم على قلب إبراهيم عليه السلام، ولله في الخلق خمسة قلوبهم على قلب جبريل عليه السلام، ولله في الخلق ثلاثة قلوبهم على قلب ميكائيل عليه السلام، ولله في الخلق واحد قلبه على قلب اسرافيل عليه السلام، فإذا مات الواحد أبدل الله مكانه من الثلاثة، وإذا مات من الثلاثة أبدل الله مكانه من الخمسة، وإذا مات من الخمسة أبدل الله مكانه من السبعة، وإذا مات من السبعة أبدل الله مكانه من الأربعين، وإذا مات من الأربعين أبدل الله مكانه من الثلاثمائة، وإذا مات من الثلاثمائة أبدل الله من العامة، فبهم يحي ويميت ويمطر وينبت ويدفع البلاء). 

قيل لعبد الله بن مسعود: وكيف بهم يحي ويميت، قال: لأنهم يسألون الله إكثار الأمم فيكثرون، ويدعون على الجبابرة فيقصمون، ويستسقون فيسقون، ويسألون فتنبت لهم الأرض، ويدعون فيقع بهم أنواع البلاء." اهـ

وقال السيوطي: وفي كفاية المعتقد لليافعي - نفعنا الله تعالى ببركته - قال بعض العارفين: الصالحون كثيرون مخالطون للعوّام لصلاح الناس في دينهم ودنياهم، والنجباء في العدد أقل منهم، والنقباء في العدد أقل منهم، وهم مخالطون للخواص، والأبدال في العدد أقل منهم، نازلون في الأمصار العظام، لا يكون في المصر منهم إلا الواحد بعد الواحد، فطوبى لأهل بلدة كان فيها اثنان منهم، والأوتاد واحد باليمن وواحد بالشام وواحد في المشرق وواحد في المغرب، والله سبحانه يدير القطب في الافاق الأربعة من أركان الدنيا كدوران الفلك في أفق السماء وقد سترت أحوال القطب - وهو الغوث - عن العامّة والخاصة غيرة من الحق عليه، وكشف أحوال النجباء والنقباء عن العامة خاصة، وكشف بعضهم لبعض، وكشف حال الصالحين للعموم والخصوص، ليقضي الله أمراً كان مفعولاً

 وعدّة النجباء ثلاثمائة، والنقباء أربعون، والبدلاء قيل: ثلاثون وقيل: أربعة عشر، وقيل: سبعة -وهو الصحيح - والأوتاد أربعة، فإذا مات القطب جعل مكانه خيار الأربعة، وإذا مات أحد الأربعة جعل مكانه خيار السبعة، وإذا مات أحد السبعة جعل مكانه خيار الأربعين، وإذا مات أحد الأربعين جعل مكانه خيار الثلاثمائة، وإذا مات أحد الثلاثمائة جعل مكانه خيار الصالحين، وإذا أراد الله أن يقيم الساعة أماتهم أجمعين، وبهم يدفع الله عن عباده البلاء، وينزل قطر السماء. "اهـ.

وقال شيخنا العارف الأكبر القطب الكامل الأشهر أبو العباس مولانا أحمد التجاني رضي الله عنه كما في الفصل الثاني من الباب الرابع من كتاب جواهر المعاني بعدما تكلم على فضل صلاة الفاتح لما أغلق، وفضل أهلها ما نصه: "ولكن كل واحد من الصحابة الذين بلغوا الدين مكتوب في صحيفته جميع أعمال من بعده من وقته إلى آخر هذه الأمة، فإذا فهم هذا ففضل الصحابة لا مطمع فيه لمن بعدهم ولو كان من أهل الفضل المذكور في هذا الباب لمرتبة الصحبة"، قال ثم ضرب رضي الله عنه مثلا لعمل الصحابة مع غيرهم فقال: "عملنا مع عملهم كمشي النملة مع سرعة طيران القطاة"، ولقد صدق رضي الله عنه فيما مثل به لأنهم رضي الله عنهم حازوا قصب السبق بصحبة سيد الوجود صلى الله عليه وسلم. 

وقال في آخر الفصل الثالث من الباب الرابع ما نصه: "وسألته رضي الله عنه عن تفضيل الصحابي الذي لم يفتتح عليه وعن القطب من غير الصحابة" فأجاب رضي الله عنه بقوله: اختلف الناس في تفضيل الصحابي الذي لم يفتح عله إلى أن قال: والراجح تفضيل الصحابي على القطب بشاهد قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله اصطفى أصحابي على سائر العالمين سوى النبيئين والمرسلين"

وإذا علمت هذا فاعلم أن أهل الإيمان بالله تعالى وبرسوله صلى الله عليه وسلم كلهم أولياء الله عز وجل لقوله تعالى: " اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ " البقرة 257، ولكن قربهم من الحق جل علاه على قدر معرفتهم به لقوله تبارك وتعالى في الحديث القدسي: "ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به"، الحديث، ويقول سبحانه "اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ" الشورى 13. وعلى قدر معرفته بربه يرتقي في طبقات الولاية الخاصة بعدالولاية العامة على اختلاف مشاربها وتباين مراتبها.

 فأما القطب فهو موضع نظر الحق سبحانه من العالم في كل زمان نظرة خاصة، ويسمى ب (قطب الأقطاب وبالغوث وبالفرد الجامع) ولا يكون في كل عصر إلا فرد واحد وهو الخليفة عن الرسول صلى الله عليه وسلم لحفظ العالم بالنيابة عنه صلى الهد عليه وسلم فله هذه الأسماء. وهل الفرد الجامع هو القطب؟ الجواب: "نعم هو القطب أي قطب الأقطاب وهو الغوث فهذه الأسماء الثلاثة لمسمى واحد"، فقد بين وجوه تسميته بالفرد الجامع وأعلى مقام، القطبانية الختمية والكتمية وسيأتي بيان أوصاف الجميع في المبحث الثالث من المقدمة بحول الله تعالى وقوته.

إرسال تعليق

0 تعليقات