الطريقة



كرامات الشيخ رضي الله عنه وأرضاه


قد منح الله سيّدنا أبا العباس التجاني رضي الله عنه من الإحسان والعرفان ، والرسوخ والإيقان ، ومتابعة السنّة المحمّديّة والسيرة النبويّة ، وكمال الاستقامة التي هي أصل هذا الباب وخلاصة كلّ كرامة ولباب ، وحباه من ذلك كلّه حالا وعلما وعملا ما عدم فيه النظير وضرب في الناس مثلا ، ممّا يخبرك عن جمعه ما قدّمناه ويرشدك إلى تفسيره ما أسلفناه ، فأكرمه سبحانه بكرامات ذوات عدد ومدّه من ذلك بأعظم مدد ، وأظهر عليه من آثار التصريف والكشف والتعريف ، ما ينبئ عن الخصوصيّة العظمى والمحبوبيّة الكبرى ، المشير إليها قوله صلّى الله عليه وسلّم عن الله عزّ وجلّ : « فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها » ، وناهيك بها مع المبايعة آية وكرامة وعناية ، أفمن كان على بيّنة من ربّه ويتلوه شاهد منه ، ذلك هو الفضل العظيم والمدد الجسيم ، وما اتّفق إلاّ لعبد محبوب ومرغوب فيه مطلوب . 

وقد أجرى الله من الكرامات على سيّدنا وشيخنا أبي العباس مولانا أحمد التجاني رضي الله عنه ما لا يكاد يعدّ ولا ينحصر كثرة ولا يحدّ ، فلا تلقى أحدا من قرابته وذويه أو ممّن يصاحبه ويليه ، إلاّ وجدته لهجا بما اتّفق له من ذلك ومحدّثا بما رأى لديه وشهد به من العجب هنالك ، فصارت عندهم لكثرة ما يشاهدون منها ويرون من الأمور المنبئة عنها ، أمرا ضروريّا وعلما يقينيا ، لا يستغربون صدورها ولا يكترثون أمورها ، فحدّث عن البحر ولا حرج وارو عن المشاهدة لا ما في سلك النقول اندرج .

 وقد شاهدنا من سيّدنا ما لا يحصى ولا يستقصى من (الخوارق العظام الكرامات الجسام) ، في الغيبة والحضور وفي السفر والإقامة وفي جلّ ألأمور ، وهي على أصناف مختلفة الأوصاف ، ما بين تصريفات من دفع خطوب ونصر مظلوم وتكثير طعام وإبراء عاهة ، وبين مكاشفات وإجابة دعوات وغيرها من خوارق العادات ، من الأمور الصادرة منه وعلى يديه .

فأمّا ما كان من قبيل (التصريفات) ، إمّا ظاهرا بحيث يفهم ذلك عنه رضي الله عنه رضي تصريحا أو إشارة أو تلويحا ، وإمّا محتملا بحيث يحتمل أن يكون من قبيل التصريف أو المكاشفة ، فقد رأينا منه وشاهدناه وتحقّقنا ذلك عيانا وأبصرناه ما يعجز عنه الخطّ والقلم ولا يأتي عليه حدّ ولا علم

 إذ هو الباب لا تستوفى آياته ولا تلحق غايته ، ولا تنحصر أنواعه وأصنافه ولا تستكمل نعوته وأوصافه ، ولا يحصى عدده ولا ينقطع مدده ، بل هو أكثر من أن يستقصى أو ينال مرامه الأقصى ، يغنينا ذلك عن كلّ ما سمعناه وتلقّيناه من أصحابنا الثقات الأعيان ووعينا ، ما شاهدناه منه عيانا وتحقّقنا بأفكارنا علما وإيقانا ، لملئت منها أسفارا ، ولكن ثنينا عن ذلك العنان لنهي سيّدنا عن إثبات ذلك زجرا فانتهينا عنه سمعا وطاعة واقتصارا ، ولو تتبّعنا ما وقع منه واستقرأناه وحفظناه كلّه وجمعناه ، ومن أيّ لنا ذلك وأنّى الوصول إلى ما هنالك ؟ لكان ديوانا جامعا وكتابا في فنّه مستقلاّ واسعا .واعلم أنّ هذه (الكرامات) على قسمين :

ظاهرة، وباطنة ، كما عند الشيخ ابن عطاء الله ، فالمحسوسة هي الخوارق التي يجريها الله على يد الصالحين من عباده ، كطيّ الأرض ، والمشي على الماء ، والطيران في الهواء ، وتكثير الطعام والشراب ، والإتيان بثمرة في غير إبّانها ، وإنباع ماء من غير حفر ، أو إجابة دعوة بإتيان مطر في غير وقته ، أو إطلاع على المغيّبات ، أو نحو ذلك ، وشرط اعتبارها وجود استقامة ، بل لا تسمّى كرامة إلاّ مقرونة مع ذلك . وهذا إذا ظهرت على يد ثابت العقل ظاهر التمييز ، وقد يظهرها الله تعالى على يد بهلول ليظهر بها نصابه ويحمي بها من الإذاية جنابه ، فلا يشترط فيها حينئذ وجود الاستقامة لكونه ساقط التكليف من ذوي الاستقامة ، على الخصوصيّة أدل وأعلى منصب وأجلّ ، لجمعهم بين الفضيتين دوام العبادات وخرق العادات .

والمعنويّة هي ما يمنّ الله به على عباده من المنن الباطنة ، كالمعرفة بالله والخشية له ، ودوام المراقبة والرسوخ في اليقين والقوّة والتمكين ، ودوام المتابعة والفهم عن الله ، ودوام الثقة به والتوكل عليه، إلى غير ذلك . وهذه عند أهل الله أفضل من الأولى وأجلّ ، ولعلّ سيّدنا أشار بالمنع للأولى لأنّ هذه أشرف وأكمل

كما قال ابن عطاء الله : وأصلها وأفضلها الإيمان بالله ، قال في لطائف المنن : وما أكرم الله تعالى العباد في الدنيا والآخرة كرامة مثل الإيمان به والمعرفة بربوبيّته لأنّ كلّ خير من خيري الدنيا والآخرة فإنّما هو فرع عن الإيمان بالله ، من أحوال ومقامات وأوراد وواردات ، وكلّ نور وعلم وفتح ونفوذ إلى غيب وسماع مخاطبة وجريان كرامة وما تضمّنته الجنّة من حور وقصور وأنهار وثمار أو كان به أهلها فيها من رضا عن الله عزّ وجلّ ورؤية لله ، فكلّ ذلك إنّما هو نتائج الإيمان ووجود آثاره وإمداد أنواره ، جعلنا الله وإيّاكم من المؤمنين بربوبيّته والإيمان الذي رضيه لعباده ، وبسطنا وإيّاكم للتسليم له في مراده . أهـ . كلام لطائف المنن .

واعلم أنّه كان رضي الله عنه يخفي الكرامات ولا يظهر منها شيئا ، فسبحان من جعل خموله ظهورا وظهور غيره دثورا ، وقطع الناس بتعظيمه دهورا وبقي غيره كأنّه لم يكن شيئا مذكورا . وقال يوما رضي الله عنه في الكرامات : المكاشفات الحقيقية أن يكاشف عن الله ورسوله ويفهم كلامهما وما تضمّنه من الأسرار العقليّة والأنوار التوحيديّة من علوم غامضة وأفهام دقيقة وحقائق ربّانيّة ، وكلّما كرّر النظر فيهما تجدّد له أفهام وأسرار وحكم وإشارات غير ما فهم أوّلا ، وهكذا لو بقي أبد الآباد فهذه المكاشفة التي بها يزداد معرفة ومحبّة وقربا من الله تعالى ، ولا يعطي الله هذه إلاّ لخاصّة أوليائه . و قد خصّه الله من ذلك بما لم يشاركه فيه غيره .





x

إرسال تعليق

0 تعليقات