الطريقة



سبب تسمية طريقتنا بالمحمدية



وأما سبب تسميتها محمدية مع أن طرق أهل الله تعالى كلها كذلك فلوجوه:

(أحدها) أنه إنما كانت جميع الفيوضات التي تفيض على جميع الأولياء إنما فاضت من ذاته رضي الله تعالى عنه كما أن جميع الفيوضات على جميع الأنبياء إنما تفيض عليهم من ذاته صلى الله عليه وسلم سميت محمدية لهذه المناسبة التامة .

قال رضي الله تعالى عنه وأرضاه وعنا به : إن الفيوض التي تفيض من ذات سيد الوجود صلى الله عليه وسلم تتلقاها ذوات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وكل ما فاض وبرز من ذوات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام تتلقاه ذاتي ومني يتفرق على جميع الخلائق من نشأة العالم إلى النفخ في الصور . قلت : وإذا فهمت هذا فوجه تسميتها محمدية لا يخفى عليك

(وثانيها) أنه رضي الله تعالى عنه لما كان له مدد خاص به يتلقاه من النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ولا اطلاع لأحد من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام على فيضه الخاص به لأن له مشربا معهم منه صلى الله عليه وسلم

(وثالثها) أنها طريقته صلى الله تعالى عليه وسلم بالوجه الخاص لأنه صلى الله عليه وسلم صرح بذلك لشيخنا رضي الله تعالى عنه وأرضاه وعنا به تصريحا يزيل كل إشكال بقوله صلى الله عليه وسلم له رضي الله تعالى عنه: فقراؤك فقرائي وتلاميذك تلاميذي وقوله صلى الله تعالى عليه وسلم له رضي الله تعالى عنه وأرضاه وعنا به : كل من أذنته وأعطى لغيره فكأنما أخذ عنك مشافهة وأنا ضامن لهم وهذا ينبئ عن فضلهم على غيرهم وقوله صلى الله تعالى عليه وسلم لبعض أهل هذه الطريقة أنت ابن الحبيب ودخلت في طريقة الخليفة الأكبر والوارث الأشهر التجاني الأطهر. كفى بهذا بشارة لأهل طريقته فإنها أعظم من الدنيا بحذافيرها والجنة وقصورها وباقي نعيمها ولا مطلب بعدها إلا النظر إلى وجه مولانا الكريم

 (ورابعها) أن لأهلها علامة يتميزون بها عن غيرهم ويعرف بها أنه صلى الله تعالى عليه وسلم هو الضامن لهم ومتولي أمرهم بوجه خاص وهي : (أن كل أحد من أهلها يكتب بين عينيه بطابع النبي محمد رسول الله وعلى قلبه مما يلي ظهره محمد بن عبد الله وعلى رأسه تاج من نور مكتوب فيه الطريقة التجانية منشؤها الحقيقة المحمدية) وهذا ينبئ عن فضل أهلها على غيرهم

(وخامسها) أن الله تعالى لما ختم بمقامه مقامات الأولياء ولم يجعل فوق مقامه إلا مقامات الأنبياء وجعله القطب المكتوب والبرزخ المختوم والخاتم المحمدي المعلوم ومركزا يتفجر منه لجميع الأغواث الفيوض والعلوم كما سيبين ذلك في المحشر تصديقا بالنبي المعصوم إذ نادى مناد يسمعه الممنوح والمحروم : يا أهل المحشر هذا إمامكم الذي يستمد منه الخصوص والعموم كانت طريقته الطريقة المحمدية لهذه المناسبة التامة ولأجلها كان عوام أهلها الصادقون أعلى مرتبة عند الله تعالى في الآخرة من أكابر الأقطاب (ما عدا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كما تقدم)

 (وسادسها) أنه رضي الله تعالى عنه وعنا به حاز ما كان عند الأولياء من الكمالات الإلهية واحتوى على جميعها كما تقدم في الفصل السادس والثلاثين كما أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم حاز ما عند الأنبياء من الكمالات الإلهية (وهذا السر العظيم هو الذي سرى في طريقته وفي أهلها) فسميت محمدية لهذه المناسبة التامة

(وسابعها) أن طريقته رضي الله تعالى عنه هي خير الطرق فلا يأتي ولي بعده بطريقة جديدة كما أن ملته صلى الله تعالى عليه وسلم آخر الملل .

قال رضي الله تعالى عنه وأرضاه وعنا به : كل الطرق تدخل في طريقة الشاذلي رضي الله تعالى عنه إلا طريقتنا هذه المحمدية الإبراهيمية الحنيفية فإنها مستقلة بنفسها فلا ينبغي لنا إلا الانفراد بها لأنه أعطاها لنا منه إلينا صلى الله تعالى عليه وسلم وقال : لا يصل لك شيء إلا على يديّ وهو الذي ربانا وأوصلنا حتى بلغنا المنى وشكرا لله تعالى

(وثامنها) أن طريقته رضي الله تعالى عنه وأرضاه وعنا به تدخل على جميع الطرق فتبطلها وطابعه يطبع على كل طابع ولا يحمل طابعه غيره كما تقدم كما أن شرع رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل على جميع الشرائع ولا يدخل على شريعته

(وتاسعها) أن من ترك وردا من أوراد المشايخ لأجل الدخول في هذه الطريقة المحمدية أمنه الله تعالى في الدنيا والآخرة ولا يخاف من شيء لا من الله تعالى ولا من رسوله صلى الله عليه وسلم ولا من شيخه أيا كان من الأحياء أو من الأموات وأما من دخلها وتأخر عنها ودخل غيرها فإنه تحل به المصائب دنيا وأخرى كما أن شرع رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك

 (وعاشرها) أن الإمام المهدي رضي الله تعالى عنه إذا قام آخر الزمان يأخذ طريقته ويدخل زمرته كما تقدم فتصير الطرق طريقة واحدة سيعاين ذلك من حضر ظهوره إن شاء الله تعالى كما أن الشرائع صارت شريعة واحدة وهي الإسلام

(وحادي عشرتها) أنه صلى الله تعالى عليه وسلم يغار لأهل هذه الطريقة غيرة خاصة كما كان يغار لأصحابه لأن أهلها فقراؤه وتلاميذه كما أن الصحابة رضي الله تعالى عنهم كذلك

وقد تقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر الشيخ رضي الله تعالى عنه أنه صلى الله تعالى عليه وسلم يؤذيه ما يؤذي أهل هذه الطريقة وتقدم أيضا أن الشيخ رضي الله تعالى عنه قال : لنا مرتبة عند الله تعالى إلى أن قال : ومن خاصية تلك المرتبة أن من لم يتحفظ على تغيير قلب أصحابه بعدم حفظ حرمتهم طرده الله تعالى عن قربه وسلبه ما منحه وهذا كله لسر كون طريقة شيخهم محمدية بالوجه الخاص

(وثاني عشرتها) أنه صلى الله عليه وسلم تفضل على هذا الشيخ الخاتم المحمدي بهذه الطريقة لكونها محمدية بالوجه الخاص فيكون تضعيف ثواب حسنات أهلها بالنسبة لتضعيف حسنات غيرهم من أهل سائر الطرق كنسبة تضعيف حسنات هذه الأمة إلى تضعيف ثواب حسنات غيرهم من سائر الأمم وراثة محمدية حبيبية

    • ولذا كان من أذكارها ما تكون المرة منه تستغرق جميع أذكار العارفين (كالياقوتة الفريدة)
    • ومنها ما تكون المرة منه تعدل عبادة جميع العالم ثلاث مرات (كجوهرة الكمال)
    • ومنها ما يكون كل العبادات إذا جمعت بالنسبة إلى مرة منه كنقطة في بحر (كالكنز المطلسم) ولا ينكر هذا إلا من ينكر وجود الأذكار الجامعة وحينئذ فلا يتكلم معه عاقل لأنه إنما أنكر على صاحب الشريعة صلى الله تعالى عليه وسلم

 (وثالث عشرتها) أنها سميت محمدية للإشارة إلى أن الله تعالى يعامل أهلها معاملة المحب حبيبه وقد تقدم في الفصل الثامن والثلاثين من هذا الكتاب المبارك أن سيدي محمدا الغالي رضي الله تعالى عنه وأرضاه وعنا به أخبرني أن الشيخ رضي الله تعالى عنه وأرضاه وعنا به أخبره أن (لأهل هذه الطريقة من الله تعالى لطفا خاصا بهم) بعد لطفه العام لهم ولغيرهم .

 قلت : وهذا اللطف مشاهد بهم في الدنيا ومضمون لهم في العقبى وقد أشهدني الله تعالى بفضله من هذا ما لا يمكن لي ذكره فأحرى استنقاصه ولو اطلعت يا أخي على هذا اللطف العظيم من هذا الرب الرحيم لأهل طريقة هذا الشيخ الكريم وحزبه الصميم لعرفت معرفة حقيقية ودريت دراية يقينية أنها محمدية حبيبية

ومن هنا قوله رضي الله تعالى عنه وأرضاه وعنا به : إن أصحابنا لا يدخلون حضرة المحشر مع الناس ولا يذوقون مشقة ولا يرون محنة من تغميض أعينهم إلى الاستقرار في عليين ، وقوله رضي الله تعالى عنه وأرضاه : إن أصحابي لا يحضرون أهوال الموقف ولا يرون صواعقه وزلازله بل يكونون مع الآمنين عند باب الجنة حتى يدخلوا مع المصطفى صلى الله عليه وسلم في الزمرة الأولى مع أصحابه ويكون مستقرهم في جواره صلى الله عليه وسلم في أعلى عليين مجاورين أصحابه صلى الله عليه وسلم.
فسبحان من تفضل بما شاء على من شاء اختيارا منه لا تحكم عليه في شيء

(ورابع عشرتها) أنها سميت محمدية للإشارة إلى أنها أكثر من سائر الطرق كما أن هذه الأمة المحمدية أكثر من سائر الملل ويكفي في ذلك أن (الإمام المهدي المنتظر) من أهلها وجميع أتباعه رضي الله عنه من أهلها ولولا أن في القلب ما فيه لأودعنا في هذا المحل ما يبهر العقول ويعجز عن إدراكه أكابر الفحول ولجلبنا من كلامه أيضا ما يعرف به كل من له أدنى بصيرة أن اسم طريقته مطابق لمسماه .

قال صلى الله تعالى عليه وسلم للشيخ رضي الله تعالى عنه : كل من أذنته وأعطى لغيره فكأنما أخذ عنك مشافهة وأنا ضامن لهم، وهذا من جملة الأسرار التي منعهم الشيخُ لأجلها من التطفل على أحدٍ من أشياخ الطريق، لأن جده ومحبه صلى الله عليه وسلم أعطاه هذه الطريقة المستقلة بنفسها وقال له : لا منة لمخلوق عليك من أشياخ الطريق فأنا واسطتك وممدك على التحقيق، فاترك عنك جميع ما أخذت من جميع الطرق واترك عنك جميع الأولياء، وأمره هو رضي الله تعالى عنه وجميعَ أهلِ طريقتِه بترك زيارة الأولياء، وأعلمه أن كل من زار منهم ينسلخ عن حضرته، ويذل لهم ما يحصل لفاعله فضل زيارته صلى الله عليه وسلم في الروضة المشرفة وزيارة جميع الأولياء والصالحين من أول الوجود إلى وقت ذلك فلهذه المناسبة سميت إبراهيمية

كما جعل في هذه الطريقة من الأولياء الصغار والكمل أصحاب الطرق وغيرهم من الإنس والجن ما يطول عده وقد ذكر رضي الله تعالى عنه وأرضاه وعنا به أن أصحاب الطرق من كمل أهل طريقته سيبلغون ستمائة من الإنس وثلاثمائة من الجن أو قريبا من هذا والذهن خوان ثم قال رضي الله تعالى عنه أنها كلها منه وإليه رضي الله تعالى عنه وأفاض علينا من بركاته ،

 وأما أولياء أهلها من العارفين الكمّل غير أصحاب الطرق والأولياء فلا نتعرض لذكر عددهم لكثرتهم لأنه رضي الله تعالى عنه قد أخبره النبي صلى الله عليه وسلم أن كل من أحبه رضي الله تعالى عنه وأرضاه وعنا به لا يموت حتى يكون وليا قطعا

 وإذا كان هذا في المحبين الذين ما أخذ واحد منهم أذكاره فكيف الظن بأهل طريقته المستغرقين في حبه المتمسكين بأوراده نسأل الله تعالى بمحض فضله أن يديمنا على محبته إلى يوم لقائه ويحشرنا في أهل محبته وزمرته عند الله تعالى حتى يوصلنا إلى جده صلى الله عليه وسلم آمين يا ستار العيوب ويا غافر الذنوب استرني واغفر لي وأنت علام الغيوب

ولولا أن قلوب الأحرار قبور الأسرار ومخافة أن الكتاب يقع في يد بعض الأشرار مما لا خلاق له في نفحات السادات الأخيار فيغريه الجهل والحسد على تمزيق أعراض الأبرار ويستفيد غير شكر الواسطة الذي هو سنة المختار لأودعنا هنا بعض ما لهذه الطريقة من الأسرار والأنوار على أن الطريقة تغربت ممن وطن أهلها المقبلين عليها من القرى والأمصار ولذلك كتمنا أسرارها وعلومها ومعارفها عمن لا يكن لله تعالى من الأنصار وفيما كتبناه كفاية لكل موفق من أولي الأبصار

قال صلى الله عليه وسلم : "لا تعطوا الحكمة لغير أهلها" الحديث أو كما قال ورضي الله تعالى عن الإمام الشافعي حيث قال : سأكتم علمي عن ذوي الجهل غالبا *** ولا أنثر الدر النفيس على الغنم فإن يسر الله الكريم بفضله *** وصادفت أهلا للعلوم وللحكم بثثت مفيدا واستفدت ودادهم *** وإلا فمخزون لدي ومكتتم فمن منح الجهال علما أضاعه *** ومن منع المستوجبين فقد ظلم

وقال صلى الله تعالى عليه وسلم : " نحن معاشر الأنبياء لا نورث أمرنا أن نخاطب الناس على قدر عقولهم "{ أو كما قال صلى الله تعالى عليه وسلم مما هذا معناه ،

ورضي الله تعالى عن زين العابدين حيث قال في هذا المعنى :
إني لأكتم من علمي جواهره *** كي لا يرى الحق ذو جهل فيفتتنـا
يا رب جوهر علم لو أبوح به *** لقيل لي أنت ممن يعبد الوثنــــــا
ولاستحل رجال مسلمون دمي *** يرون أقبح ما يأتونه حسنــــــــا

ولولا خوف التطويل لجلبنا من هذه الوجوه الدالة على أن اسم طريقته مطابق لمسماها ما يروي الغليل وفيما ذكرناه كفاية والله تعالى الموفق بمنه للصواب وإليه سبحانه المرجع والمآب . 


إرسال تعليق

0 تعليقات