الطريقة



المحبوب في الحضرة الإلهيّة


أنّ المحبوب في الحضرة الإلهيّة ، وإنْ كان مُقَرَّبًا مُصَانًا ، فلا بدّ له أن يَنْصَبَّ عليه من حضرة الله عزّ وجلّ ابتلاءٌ والْتِوَاءٌ تضطرب منه جميع جوارحه وتتألّم بسببه جميع ظواهره وبواطنه ليخبره بذلك أنّ الحضرة الإلهيّة لا بدّ لها من هذا ، فإنّ المحبوب لو لم يجد من ربّه إلاّ ما يلائم أغراضه لكانت دعواه في محبّة ربّه غير صادقة لأنّه بملائمة أغراضه يحبّه ، فما يظهر مصداق المحبّة حتّى يَنْصَبَّ عليه البلاء العظيم ثمّ لا يزيغ باطنه من موقف المحبّة ، كما قال إبراهيم بن أدهم رحمه الله :
ولو قطّعتني في الحبّ إرْبًا      لَمَا حَـنَّ الفؤاد إلى سـواك

فإنّ بالبلاء يعرف صِدْقَ المحبّة . فإنّه رُويَ عن سريّ السقطيّ رضي الله عنه أنّه دخل عليه بعض الرجال يوما قال : وجدته يبكي فقلت ما يبكيك ؟ فقال : كنت نائما الساعة فرأيت نفسي بين يديّ الحقّ سبحانه وتعالى ، فقال لي يا سريّ ، أو كما قال : لما خلقتُ الخلق كلّهم ادّعوا محبّتي ، فخلقتُ الدنيا بزنتها وزخارفها ففرّوا إليها كلّهم ولم يبق إلاّ العشر ، فلمّا بقي ذلك العشر خلقتُ لهم الجنّة ، فلمّا نظروا إلى زينتها وزخارفها فرّوا إليها كلّهم ولم يبق إلاّ العشر ، فلمّا بقي ذلك العشر سلّطتُ عليهم ذرّة من البلاء ففرّوا كلّهم ولم يبق إلاّ العشر ، فقلتُ لذلك العشر الباقي : لا الدنيا أرَدْتُمْ ولا الجنّة اخترتم ولا من البلاء فررتم ، فماذا تريدون ؟ فقالوا : أنت أعلم ما نريد ؟ فقلت لهم : إنّي مُسَلِّطٌ عليكم من البلاء بعدد أنفاسكم فهل أنتم صابرون ؟ فقالوا : إذا كنتَ أنتَ المُبْتَلِي فاصنع ما تريد ، فقلتُ : أنتم عبادي حقّا . فهكذا هو الابتلاء في موقف المحبّة ، ولا يُعْرَفُ صِدْقُهَا إلاّ بالثبوت للبلايا .

إرسال تعليق

0 تعليقات